بغداد: الوثائق لم تقدم دليلا على إدانة المالكي ولم تشكك في وطنيته

بغداد: الوثائق لم تقدم دليلا على إدانة المالكي ولم تشكك في وطنيته

غضب عالمي بعد كشف «ويكيليكس» لأسرار العراق

أثار نشر موقع ويكيليكس 400 ألف وثيقة سرية حول حرب العراق، ردود أفعال غاضبة في كافة أنحاء العالم، ومن بينها الولايات المتحدة التي لا تزال منزعجة من هذا التسريب الذي لطخ سمعتها، إضافة إلى المنظمات الدولية المتعددة، فقد دعت منظمة ''هيومن رايتس ووتش'' الأمريكية والمعنية بحقوق الإنسان إلى فتح تحقيق بعد نشر الموقع هذه الوثائق السرية، التي تكشف العديد من حالات التعذيب والتي تستر عليها الجيش الأمريكي في العراق.
وقالت المنظمة في بيان لها وزع أمس إنه ''على العراق ملاحقة المسؤولين عن التعذيب وجرائم أخرى''، مطالبة في الوقت نفسه الولايات المتحدة بأن تحقق كذلك لمعرفة إن كانت قواتها قد انتهكت الاتفاقيات الدولية عبر تسليم مئات المعتقلين العراقيين إلى سلطات بلادهم رغم مخاطر تعرضهم للتعذيب''.
وكان مانفريد نواك المقرر الخاص للأمم المتحدة حول التعذيب قد دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى فتح تحقيق.
من جهته، دان الأميرال مايك مولن قائد الجيوش الأمريكية على موقع تويتر البارحة الأولى نشر موقع ويكيليكس وثائق عسكرية سرية حول العراق قائلا: إنها تهدد حياة الكثيرين.
وقال مولن في سطر واحد على موقعه ''نشر ويكيليكس المزيد من الوثائق السرية المسروقة يهدد حياة كثيرين ويوفر معلومات قيمة للخصوم''.
وعلى الصعيد نفسه، أظهرت إحدى الوثائق الأمريكية العسكرية المسربة التي ينشرها الموقع قرائن تدعم أنباء عن أن جنودا إيرانيين عبروا الحدود العراقية للقبض على ثلاثة أمريكيين . وذكرت شبكة ''سي إن إن'' الإخبارية أمس أن التقرير الميداني كان واحدا من 400 ألف مستند نشرها الموقع أمس الأول عن عمليات الولايات المتحدة وقوات التحالف في العراق. وتطرق التقرير إلى عدد من الفواصل الحديدية العسكرية التي يعتقد أن الأمريكيين الثلاثة ألقي القبض عليهم عندها بحسب صحيفة ''نيويورك تايمز'' الأمريكية التي راجعت الوثيقة مع مسؤول حكومي أمريكي . ونقلت وكالة الأنباء الألمانية التي أوردت الخبر أمس عن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بي جيه كراولي قوله لـ ''سي إن إن'': ''إن اثنين من الثلاثة مازالوا في مركز احتجاز إيراني وينبغي إطلاق سراحهم لأنهم لم يرتكبوا أي خطأ''. وكانت مجلة ''ذي نيشن'' قد نقلت يوم 12 تموز (يوليو) الماضي عن شاهدين قولهما إنهما رأيا قوة من الشرطة الوطنية الإيرانية تلقي القبض على (شين باور وساره شورد وجوش فاتال) وأطلق سراح شورد بعد ذلك، غير أن (باور وفاتال) لا يزالان في سجن إيفين في بغداد، طالب النائب وليد عبود عضو تحالف الوسط عن كتلة التوافق العراقية، وزارة حقوق الإنسان في بلاده بالكشف عن حقيقة ما ذكرته الوثائق بشأن الانتهاكات لحقوق الإنسان في العراق.
وقال عبود في بيان صحافي له أمس، إن وزارة حقوق الإنسان عليها التزامات أخلاقية وإنسانية، ويجب عليها الوقوف في موقف حازم تجاه ما ورد من انتهاكات.
من جهتها، شددت الحكومة العراقية أمس على أن وثائق ويكيليكس لم تقدم دليلا على إدانة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي كما لم تأت بما ''يشكك في وطنيته''. واصفة عملية النشر بأنها ''فقاعة'' تقف وراءها أهداف سياسية. وفي المقابل شددت الحكومة على ضرورة أخذ الوثائق بعين الاعتبار بما يحقق العدالة للمواطنين العراقيين. وقسمت الحكومة في بيان توضيحي حصلت وكالة الأنباء الكويتية على نسخة منه تلك الوثائق إلى قسمين يتناول الأول تصرفات الجيش الأمريكي وشركات الحماية الأمنية التابعة للجانب الأمريكي في العراق فيما يتحدث الثاني عن ''أطراف غير أمريكية لا تدخل في دائرة الاعتراف بل يمكن اعتبارها أحيانا اتهامات''. وقالت الحكومة العراقية في بيانها الذي يمثل أول رد فعل من جانبها على الضجة المثارة بشأن وثائق ويكيليكس إنه فيما يتعلق بالقسم الأول فإنه ينبغي أن يؤخذ ''بنظر الاعتبار'' نظرا لما يقدمه الجيش الأمريكي. وأضافت أنه يمكن وصف هذا القسم بالاعترافات عن أعمال قام بها بعض عناصر الجيش الأمريكي أو القطاعات التابعة له أو شركات الحماية الأمنية مثل (بلاك ووتر) ''التي سبق أن اتخذت الحكومة قرارا بمنعها من العمل في العراق نتيجة تجاوزاتها واستخدامها المفرط للقوة بل واعتدائها على بعض الأبرياء العراقيين دون مبرر''. وشددت على أخذ ما جاءت به الوثائق في هذا الجانب بعين الاعتبار ''بما يحقق العدالة لمواطنينا الذين ربما ذهبوا ضحية جموح واعتداء من هذه الجهة أو تلك ممن أثيرت قضاياهم على مستوى القضاء أو حتى الذين لم يتقدموا إلى القضاء في لندن - GBR - الفرنسية.
من جهة أخرى، أظهرت وثيقة نشرها موقع ويكيليكس أن مروحية تابعة للجيش البريطاني كانت على وشك اعتقال الأردني أبو مصعب الزرقاوي، زعيم القاعدة في العراق الذي قتل عام 2006 لكنها اضطرت للعودة أدراجها لنقص الوقود، بحسب التحليل الذي نشرته صحيفة ''ذي أوبزرفر''.
وجاء في الوثيقة التي نشرها ويكيليكس وحللتها صحيفة ''ذي أوبزرفر'' البريطانية أمس أنه بعد ظهر 17 آذار(مارس) 2005 حددت أجهزة الاستخبارات البريطانية التي كان مقرها آنذاك في البصرة في جنوب العراق، مكان الزرقاوي وهو يتنقل على طريق قرب المدينة. وكانت قد وضعت مكافأة بقيمة 25 مليون دولار لمن يعثر عليه.
وقالت الوثيقة إن مروحية من نوع لينكس تغطي طلعاتها تلك المنطقة رصدت سيارة مشبوهة وأبقت على المراقبة لمدة 15 دقيقة لكن بعد نفاد احتياطي الوقود اضطرت للعودة إلى قاعدتها للتزود بالوقود مجددا.
وأضافت الوثيقة السرية للجيش الأمريكي ''نظرا لهذا الواقع، بقيت المنطقة المعنية بدون مراقبة لمدة تراوح بين 20 و30 دقيقة''. وبعد انتهاء هذه المدة وصلت كتيبة بريطانية إلى المنطقة لكن بسبب عدم وجود دعم جوي لم تتمكن من القيام سوى بعمليات تفتيش عشوائية لم تعط نتائج. ويخلص التقرير عن الحادث بهذه العبارة ''عند الساعة 22, 14، توقفت عمليات البحث''.
وقتل أبو مصعب الزرقاوي بعد 15 شهرا من ذلك الحادث، في حزيران (يونيو) 2006 بضربة أمريكية.
اعترف مالك دوهان الحسن وزير العدل العراقي السابق والقيادي في ائتلاف دولة القانون بأنه يمتلك وثائق تشير إلى قيام القوات الأمريكية بعمليات تعذيب في السجون العراقية.
وقال الحسن في تصريحات له أمس، ''لدي مذكرات كانت تقدم مرتين في الأسبوع للحكومة السابقة عن تعذيب القوات الأمريكية في السجون''.
وانتقد الوزير السابق إجراءات الحكومة التي وصفها ''بالضعيفة''، معتبرا الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس عن حرب العراق والتي تضمنت وثائق عن التعذيب الأمريكي داخل السجون العراقية بالأمر الطبيعي، معللاً ذلك بأن ''التعذيب مفضوح منذ البدء''.
على صعيد ذي صلة، رأت الصحف العراقية أمس أن ما كشفته الوثائق التي نشرها موقع ''ويكيليكس'' حول العراق له أبعاد سياسية أكثر مما هي إنسانية تهدف لكشف حقائق وإعادة الحق للضحايا العراقيين.
وتصدرت معلومات ويكيليكس عناوين الصحف الصادرة في بغداد أمس لكن أغلبها تحدث عن أزمة سياسية، مشيرا إلى أنها تستهدف الحكومة العراقية والعملية السياسية أكثر من كونها كشفت حقائق تتعلق بجرائم تعذيب ووقوع ضحايا جلهم من المدنيين.ونشرت صحيفة ''العالم'' اليومية المستقلة تقريرا تحت عنوان ''ويكيليكس، المسؤولية''، جاء فيه ''الأمر يبدو سياسيا أكثر فقد تعالت الأصوات لاتهام هذا الطرف أو ذاك (لاتهامها) بالتهاون في الحق العراقي''.
وأشارت الصحيفة في الوقت ذاته إلى أن ''الوثائق تتحدث عن فترة مر العراق خلالها بثلاث حكومات ولا تقع المسؤولية على حكومة المالكي لوحدها''.
وجاء في بيان ويكيليكس أن الوثائق السرية تغطي الفترة من الأول من كانون الثاني (يناير) 2004 إلى 31 كانون الأول (ديسمبر) 2009، بعد الغزو الأمريكي في آذار (مارس) 2003 الذي أطاح بنظام صدام حسين.
أما صحيفة ''البيان'' التي يتولى رئاسة تحريرها المستشار الإعلامي للمالكي ياسين مجيد، فقد تصدر صحفتها الأولى عنوان ''معلومات ويكيليكس انتقائية وتوقيت نشرها يكشف عن دوافع سياسية''.
كما حملت صفحاتها موضوعا آخر جاء فيه أن ''الكتل السياسية ترفض ما نشر وتتساءل لماذا الآن؟'' في إشارة لدوافع سياسية وراء نشر التقرير.من جهتها، عنونت صحيفة ''المدى'' اليومية السياسية المستقلة ''مكتب المالكي معلقا على ويكيليكس''.
وقال عنوان آخر على صدر صحيفة ''الزمان'' الدولية اليومية المستقلة إن ''وثائق ويكيليكس تهدد جهود تشكيل الحكومة'' وتحدث عن تفاصيل البيان مكتب المالكي الذي دافع أمس عن موقف حكومته والإجراءات التي اتخذت لحفظ الأمن.
من جانبها، قالت صحيفة ''العدالة'' السياسية اليومية تحت عنوان ''وثائق ويكيليكس، كيف توظف عراقيا''؟ إن ''المهم أخذ محتوى ومضامين التقرير بدقة وتوجيهها بما يحقق العدالة لتأخذ مجراها وتعيد الاعتبار والحق الضائع إلى أصحابه من العراقيين''