المفاوضون الأربعة الذين انتزعوا الصفقة

وصفهم مشعل أنهم من خيرة القياديات السياسة والعسكرية
المفاوضون الأربعة الذين انتزعوا الصفقة (تقرير)

ارتبط اسم المفاوض الفلسطيني بمفاوضات التسوية التي بدأت مطلع التسعينيات من القرن الماضي بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الصهيونية، والتي انتهت باتفاق أوسلو والاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وحكومة الاحتلال والذي تعرض لانتقادات كثيرة حتى ممن دعموا خيار التسوية والمفاوضات.

إلا أن صفقة "تبادل الأسرى"، التي يدور الحديث عنها، والتي أبرمت بين حركة "حماس" والجانب الصهيوني؛ أظهرت نوعًا آخر من المفاوض الفلسطيني، الذي تمترس لخمس سنوات وراء مطالبه دون أن يغير أو يبدل ليخرج بـ "صفقة مشرفة"، بحسب المطلعين على هذا الملف.

يعرف الفلسطينيون جيدًا أسماء المفاوضين الفلسطينيين الذين جاءوا باتفاق "أوسلو" ولطالما هاجموهم بسبب "الضعف" الذي كانوا عليه خلال المفاوضات؛ إلا أن قليلًا منهم يعرف من هم المفاوضون الذين كانوا في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، نظرًا لعدم الكشف عنهم، إلا أن خروج المسيرات الشعبية الحاشدة ابتهاجًا بهذه الصفقة يدلل على وجود رضى شعبي عن أدائهم.

وأبرمت حركة "حماس" صفقة تبادل أسرى مع الاحتلال، تقضي بالإفراج عن الجندي الصهيوني جلعاد شاليط الأسير منذ خمس سنوات، مقابل إطلاق سراح ألف أسير فلسطيني، و27 أسيرة (هن جميع الأسيرات في سجون الاحتلال)، على مرحلتين، منهم 450 أسير من أصحاب الأحكام العالية سيفرج عنهم خلال أيام.

المفاوضون الأربعة
وكشف خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خلال كلمته حول الصفقة أن الذين كانوا يفاوضون عددهم أربعة، "هم من خيرة القياديات السياسة والعسكرية" لحركته، كما قال.

وأشار إلى أن هؤلاء المفاوضين "امتازوا بالإخلاص، والخبرة والكفاءة والمهارة، والمعرفة التفصيلية وطول النفس، حتى انتزعوا هذا الإنجاز"، منوهًا إلى أنهم خاضوا مفاوضات شاقة. وقال: "كنا نتطلع على أن يشمل أكبر عدد ولكن الصفقة مقابل جندي أسير واحد لا تتحمل بعد خمس سنوات من العمل المضني هذا السقف الكبير الذي استطعنا أن نفرضه على القيادة الإسرائيلية وعلى المفاوض الإسرائيلي".

وأضاف: "خضنا معارك شرسة حتى ننتزع إفراجات عن أهلنا في القدس وفي 48 والجولان إضافة إلى بقية أسرى الضفة والقطاع و الشتات الفلسطيني".

مفاوضات شاقة
وتابع مشعل: "بعد سنوات خمس مضنية من العمل الشاق من الصمود على الأرض من التضحيات الجسيمة من التعب والعرق والدماء ومن المفاوضات غير المباشرة الشاقة مع المحتل الإسرائيلي عبر وساطة الإخوة في مصر تمكنّا بفضل الله من الوصول إلى هذه الصفقة؛ صفقة التبادل لأسرانا وأسيراتنا الأبطال الشوامخ في سجون الاحتلال مقابل الجندي وأسير الحرب الإسرائيلي الذي أسرناه في معركة مقابل أسرى اختطفوا واعتقلوا دون ذنب".

وكشفت مصدر فلسطيني مطلع أن أحد أبرز المفاوضين والذي لعب دورًا كبيرًا في إبرام هذه الصفقة بشكلها الحالي هو أحمد الجعبري، نائب القائد العام لكتائب القسام الذراع العسكري لحركة "حماس"، وأحد أبرز المطلوبين للاحتلال.

وقال المصدر لوكالة "قدس برس" أن الجبعري (50 عامًا)، كان يتابع هذا الملف منذ اللحظة الأولى لأسر شاليط، وكان ضمن الوفد الذي فاوض في هذا الأمر في أول جولة من جولات التفاوض غير المباشر، وذلك بعد ستة أشهر من عملية الأسر من خلال الوسيطين المصري والألماني.

وأضاف: أن الاحتلال "وافق في اللقاء الأول للتفاوض على أسماء خمسة أسرى فقط من القائمة التي عرضتها حركة "حماس" والتي كانت ضمت أسماء 450 أسيرًا من أصحاب الأحكام العالية والقادة السياسيين والعسكريين الفلسطينيين".

وأشار المصدر إلى أنه رغم الضغوط الكبيرة التي كان يتعرض لها الجعبري سواء من خلال النظام المصري السابق أو من خلال تكثيف عمليات الرصد والملاحقة من قبل طائرات الاحتلال، إلا أنه ظل متمسكًا بشروطه لإخراج الصفقة بهذه الطريقة دون النظر إلى اسم هنا أو هناك، رغم الخطوط الحمراء الكثيرة التي كان قد وضعها.

عهد الجعبري
وأكد المصدر أن سلطات الاحتلال هي أكثر من يعرف الجعبري؛ حيث اعتقله في سجونها ثلاثة عشر عامًا في الفترة ما بين عامي 1982م و1995م حيث كان في نهاية اعتقاله ممثلاً لسجن النقب الصحراوي، وكانت إدارة السجن تجتمع به باستمرار لمناقشة أوضاع المعتقلين ومطالبهم، فهي تعرف مدى عناده وإصراره وطول نفسه، وذكائه، ومعرفته الجيدة بكافة الأسرى.

وأشار المصدر إلى أن الجعبري يجيد اللغة العبرية بطلاقة، وهو الأمر الذي ربما يكون قد حسم الصفقة وجعلها تخرج بهذه الطريقة، منوهًا إلى أن القائد العسكري في "حماس" والذي نجا من عدة محاولات اغتيال كان مصممًا على الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه للأسرى قبل خروجه من السجن عام 1995م، على حد تعبير المصدر.

ومن جهته؛ اعتبر الدكتور حسن أبو حشيش، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن صفقة التبادل تحمل الكثير من الدروس والدلالات ومن أهمها صلابة الوفد المفاوض (المقاوم) الذي رسم خريطته منذ اللحظات التي أعقبت أسر شاليط، وحدد ما يريد وكيف يريد، ووقف صامدًا أشمَّ في وجهة التحديات والضغوطات والمؤامرات والمكائد.

وقال أبو حشيش في مقال له: "كان مفاوضًا عنيدًا وطنيًّا لم يعهد الصهيوني مثل هذا العناد والإصرار والتمترس خلف الحقوق، عرف أنه يمثل آمال وتطلعات شعب وأسرى وذويهم، فلم يتلاعب بمشاعرهم، ولم ينتقص من حقوقهم، فكان خير الأمين وخير المثل وخير المتحدث باسمهم .ولم يبرم أمرًا إلا بمشورتهم ورأيهم وحوارهم ... فنجح".

المفاوض الجديد
وأضاف: "هذا يدل على أن الفلسطيني الحقيقي ليس هو ذاك المفاوض الذي أمضى عشرين عامًا وهو يسهر ويأكل ويشرب ويجالس وينام مع جلاده ثم يفاوضه.. لقد كان متلقي الإملاءات ففشل وما زال يفشل".

وتابع: "إن مفاوضي صفقة "الوفاء للأحرار" كرّسوا كيف يجب أن تكون المفاوضات مع الخصم والعدو من حيث التخطيط والحفاظ على الحقوق والمناورات الندّيّة والعزة والإباء .. فمن الضروري أن يخلع الشعب الفلسطيني الثوب التفاوضي الذي أُجبر عليه وفُرض عليه، ويلبس الثوب الجديد الذي فصله وحاكه المقاومون بالدماء والمعاناة ولكنه أثبت شجاعته ونجاحه"، حسب تعبيره.